سورة النمل - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)}
روي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة: خمسة وعشرون للجنّ، وخمسة وعشرون للإنس، وخمسة وعشرون للطير، وخمسة وعشرون للوحش، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب، فيها ثلثمائة منكوحة. وسبعمائة سرية، وقد نسجت له الجنّ بساطاً من ذهب وإبريسم فرسخاً في فرسخ، وكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب، فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة، وحولهم الناس وحول الناس الجنّ والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا يقع عليه الشمس، وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر. ويروى أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله، ويأمر الرخاء تسيره، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض: إني قد زدت في ملكك لا يتكلم أحد بشيء إلا ألقته الريح في سمعك، فيحكى أنه مر بحرّاث فقال: لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فألقته الريح في أذنه، فنزل ومشى إلى الحرّاث وقال: إنما مشيت إليك لئلا تتمنى مالا تقدر عليه، ثم قال: لتسبيحة واحدة يقبلها الله، خير مما أوتي آل داود {يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على آخرهم، أي: توقف سلاف العسكر حتى تلحقهم التوالي فيكونوا مجتمعين لا يتخلف منهم أحد، وذلك للكثرة العظيمة.


{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)}
قيل: هو واد بالشام كثير النمل.
فإن قلت: لم عدّي {أَتَوْا} بعلى؟ قلت: يتوجه على معنيين أحدهما؛ أن إتيانهم كان من فوق، فأتى بحرف الاستعلاء، كما قال أبو الطيب:
وَلَشُدَّ مَا قَرُبَتْ عَلَيْكَ الأَنْجُمُ ***
لما كان قرباً من فوق.
والثاني: أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره، من قولهم: أتى على الشيء إذا أنفذه وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي، لأنهم ما دامت الريح تحملهم في الهواء لا يخاف حطمهم. وقرئ {نُمُلة يا أيها النمل}، بضم الميم وبضم النون والميم، وكان الأصل: النمل، بوزن الرجل، والنمل الذي عليه الاستعمال: تخفيف عنه، كقولهم: (السبع) في السبع. قيل: كانت تمشي وهي عرجاء تتكاوس، فنادت: {ياأيها النمل}: الآية، فسمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال. وقيل: كان اسمها طاخية.
وعن قتادة أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس، فقال: سلوا عما شئتم، وكان أبو حنيفة رحمه الله حاضراً- وهو غلام حدث- فقال: سلوه عن نملة سليمان، أكانت ذكراً أم أنثى؟ فسألوه فأفحم، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى، فقيل له: من أين عرفت؟ قال: من كتاب الله، وهو قوله: {قَالَتْ نَمْلَةٌ} ولو كانت ذكراً لقال: قال نملة. وذلك أنّ النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى، فيميز بينهما بعلامة، نحو قولهم: حمامة ذكر، وحمامة أنثى، وهو وهي. وقرئ: {مسكنكم ولا يحطمنكم} بتخفيف النون، وقرئ: {لا يحطمنكم} بفتح الحاء وكسرها. وأصله: يحتطمنكم. ولما جعلها قائلة والنمل مقولاً لهم كما يكون في أولي العقل: أجرى خطابهم مجرى خطابهم. فإن قتل: لا يحطمنكم ما هو؟ قلت: يحتمل أن يكون جواباً للأمر، وأن يكون نهياً بدلاً من الأمر، والذي جوّز أن يكون بدلاً منه: أنه في معنى: لا تكونوا حيث أنتم فيحطمكم، على طريقة: لا أرينك ههنا، أراد: لا يحطمنكم جنود سليمان، فجاء بما هو أبلغ، ونحوه: عجبت من نفسي ومن إشفاقها.


{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)}
ومعنى {فَتَبَسَّمَ ضاحكا} تبسم شارعاً في الضحك وآخذاً فيه، يعني أنه قد تجاوز حدّ التبسم إلى الضحك، وكذلك ضحك الأنبياء عليهم الصلاة السلام. وأما ما روي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه فالغرض المبالغة في وصف ما وجد منه من الضحك النبوي، وإلا فبدوّ النواجذ على الحقيقة إنما يكون عند الاستغراب، وقرأ ابن السميفع: {ضحكا} فإن قلت: ما أضحكه من قولها؟ قلت: شيئان، إعجابه بما دل من قولهما على ظهور رحمته ورحمة جنوده وشفقتهم، وعلى شهرة حاله وحالهم في باب التقوى، وذلك قولها: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} تعني أنهم لو شعروا لم يفعلوا. وسروره بما آتاه الله مما لم يؤت أحداً: من إدراكه بسمعه ما همس به بعض الحكل الذي هو مثل في الصغر والقلة، ومن إحاطته بمعناه، ولذلك اشتمل دعاؤه على استيزاع الله شكر ما أنعم به عليه من ذلك، وعلى استيفاقه لزيادة العمل الصالح والتقوى. وحقيقة {أَوْزِعْنِى} اجعلني أزع شكر نعمتك عندي، وأكفه وأرتبطه لا ينفلت عني، حتى لا أنفك شاكراً لك. وإنما أدرج ذكر والديه لأنّ النعمة على الولد نعمة على الوالدين، خصوصاً النعمة الراجعة إلى الدين، فإنه إذا كان تقيا نفعهما بدعائه وشفاعته وبدعاء المؤمنين لهما كلما دعوا له، وقالوا: رضي الله عنك وعن والديك.
وروي أن النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء، فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهنّ، ثم دعا بالدعوة. ومعنى {وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين} واجعلني من أهل الجنة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8